صباح أمس عنّت لي فكرة، بعد أن قرأت أخباراً عن تلك الثورة المتسارعة في اكتشاف قدرات الذكاء الاصطناعي، ومدى ذهابه في عمق الأحاسيس والإثارة العاطفية، وهو أمر يعني قبل هذه الأيام الإنسان والحيوان فقط، في الغضب والتأثر والفرح والتعلم، وغيرها. هذا السباق والتسابق العالمي نحو هذا المستجد في حياتنا لم يسبقه شيء، وقد لا يحدّه شيء، وربما أتى يوم في الغد يتخذ فيه أحدنا صديقاً له يشبهه في كل الملامح والطباع، ومتوافق معه في الرأي، ويكون الإنسان الحقيقي وظله الاصطناعي، أو يعاد تصنيع حيوان أليف مثل الكلب الذي كان عزيزاً على إنسان ما، ونفق، لكن بفضل الذكاء الاصطناعي جلبوه ثانية بنسخته المصنعة، وبدأ في حراسة البيت ويتقافز في الحديقة ويلعب مع صاحبه.
اليوم، تأكد لي أن كلمة وداعاً للأمس لا بد وأن تأخذ طريقها في نمط حياتنا الجديدة، ذهبت إلى شركة طيران كنت أتعامل معها طوال عقدي الثمانين والتسعين في كل حجوزات سفري، وفيها موظف أصبح اليوم صديقاً، وما برح يهرم على كرسيه التقليدي، محاولاً التجاوب مع طريقة الحجوزات الجديدة، مع صعوبة قليلة في التعامل مع الأجهزة الحاسوبية أو يمكنك أن تلاحظ تصلب المرافق وهي تتعامل مع لوح المفاتيح وطريقة اللمس على الشاشة، زرته وأنا الآن لا أتذكر إلا تلك الفرحة عنده وعندي حينما كان يخرج تلك التذكرة، ويضع عليها الملصق بتوقيتات الرحلة، وسألته متعمداً أريد أن أحجز رحلة إلى مدينة شكسبير، فقال ما اسمها؟ قلت: لا أعرفها! ولكنني أعرف وليم شكسبير جيداً! شربت كأس الشاي معه أثناء رحلة البحث المضني عن تلك المدينة التي تخيلتها غائبة في الزمن من دون وجود مؤشرات للبحث الإلكتروني اليوم، وكم ستستغرق منه المكالمات الهاتفية لوضع كل الترتيبات، هذا دون حجوزات الفنادق أو تذاكر الدخول أو حجوزات القطار والفعاليات في المدينة.
لكنني قبل أن أذهب إليه، كتبت فقط على أحد المواقع السياحية ترتيب رحلة لمسقط رأس «شكسبير» تكون كاملة وشاملة كل المصاريف، فتداعت كل الخيارات والتواريخ والأسعار على الشاشة مع توصيات بشأن الفعاليات ومقترحات بالأمكنة القريبة وأفضل الفنادق، ومعلومات كثيرة عن هذه المدينة الصغيرة «ستراتفورد» أو «Stratford-upon-Avon»، والتي اكتسبت شهرتها لأن شكسبير منها، وولد فيها، وكل تفاصيلها في كتاباته، واليوم يقصدها السياح من كل العالم، حيث يزيدون على خمسة ملايين سائح كل عام، لقد احتضنت شكسبير هذه المدينة التي على نهر «آفون»، فخلدها، وأعطاها من شهرته حتى اليوم، فزان وزاد من جمالها الطبيعي.
بين مراجعة موظف شركة السفر، والانتظار وتذكرة السفر أو الملصق بالأمس، وبين كل تفاصيل السفر في قبضة يدك وفي لحظات، اليوم، تكمن تلك الكلمة الودائعية؛ وداعاً.. أيها الأمس، أهلاً بما بعد غد!